7237075507
Everything you do is language.
قراءة سيميوثقافيّة في "فيلم المضيف"- لستيفاني ماير
(Simeo Cultural Reading of the film “The Host” by Stephanie Meyer)
-
الأستاذ الدّكتور: أمين مصرنّي. 2. الباحثة: خيرة بومدين.
-
قسم اللّغة والأدب العربيّ، كلية الآداب والفنون، جامعة وهران
Pr. MASRENI AMINE
Department of Arabic Language and Literature.
Vice Dean of the Faculty of Literature and Arts.
University of Oran, Oran, Algeria
Email: aminemasreni@gmail.com
الملخّص:
لم يعد النّظر إلى الصورة السّينمائيّة على أنّها سلاح من الأسلحة الثقافية تحمل شيئا مِن أنساق الهيمنة للقوى العظمى مجديًا، أو بالأحرى مهمًّا، مذ تجاوز البحث الفلسفيّ الثّقافيّ طروحات مدرسة فرنكفورت، ولم تعد الصّورة السينمائيّة ضربًا من الممارسة الفنّيّة الجماليّة والإثارة الّتي لا تعدو أن تقصد التّطهير أو التّنفيس منذ استقبال العالم لفلسفة التّنوير والأنوار، فلقد انتهى التفكير المعاصر للسّينما إلى أنّها ليست مجرّد تقديم للأشياء، لكنّها تفصح عن طريقة في رؤية هذه الأشياء، طريقة في الرّؤية ناتجة عن طريقةٍ في التّفكير، على حدّ تعبير "دانييل فرامبتون، في كتابه: "الفيلموسوفي ـ نحو فلسفة للسّينما ـ ".
لقد صار البحث الجادّ في هذا الضّرب من الإنتاج البصريّ يستلزم تجاوز الماهية، وسؤال الكيفيّة، إلى سؤال اللِّماذات والقصديّات، وعلى ذلك صرنا نُجاوزُ التّقنيّات والجماليّات إلى البحث عمّا يختفي وراءها، وهي قضايا أساسيّة تُطرح إزاء الحديث عن سينما الخيال العلميّ بالخصوص، فالنّقد الثّقافيّ لا يقف عند حدود تقنيّة التّعالي على الواقع إلى آفاق علميّة دقيقةٍ، وعوالِمَ أرحبَ، إلى البحث عن الأنساق الثّقافيّة الّتي يسعى منتجُ النّصّ والصّورةِ إلى إخفائِهَا وتوريتِهَا، وهذا ما نلفيه في فيلم "ستيفاني ماير"، الموسوم: "المُضيف" "The Host"، الّذي كان رواية للمؤلّفة نفسها موسومًا: "الجسد المُضيف"، ومن ثمّة فقراءتنا في هذا الفيلم ستحاول سُلوك مقاربتيْن: سيميولوجيّة، وأخرى ثقافيّة، تحاول الأولى الوقوف على الدِّلالات، وتحاول الثّانية الوقوف على كينونات العمل الثّقافيّة المتخفيّة المشكّلة لجوهرِ العمل، وذلك للإجابة على مجموعة من التّساؤلات أهمّها:
ـ ما مقاصد الفيلم؟ ماذا يريدُ أن يقول؟ ولماذا يحكي عوالِمَهُ بالشّكل المشاهدِ والمنتهى إليه؟ وما الّذي استطاع الفيلمُ قولَه، ولم تقلْهُ الرّواية؟
بين يدي النّظر:تحاولكثيرٌ من الدّراسات الفكريّة والأدبيّة والفنّيّة المعاصرة الاستفادة من طروحات النقد الثقافيّ، المنفتح على كل الأنشطة الإبداعيّة، باعتباره أرحبَ أفقًا ونظرًا، ومِن تلك الرّحاب السينما، ومنها بالتّحديد سينما الخيال العلمي. محاولة تسليط الضوء على عوالم السينما من منظور النقد الثقافيّ، على غرار ما ترمي إليه الدّراسات أو القراءات الثقافية المشتغلة على الخطابات الأدبية والفنّيّة. وعلى ذلك نكون مضطرّين إلى المزج بين الجانب الثّقافيّ والجانب السينمائيّ، وهذا الّذي يحدونا إلى العنايةبفيلم الخيال العلميّ"المضيف لستيفاني ماير"، باعتبارِهِ واحدًا من الأعمال الفنيّة الكبيرة الّتي تقول الكثير، وقبل الولوج في أعماق القراءة الثقافية للفيلم لابد من التعريج على الأساس الّذي انبنت عليه الدراسة ألا وهو النقد الثقافي.
النقد الثقافي أنظمته ورهاناته:
يسعى النقد الثقافي إلى الحلول محلَّ النقد الأدبيّ، محاولًا فهم العلاقة بين النص وعناصر الثقافة السائدة،والرّبط بينهما، فهويحلّل النصوص الأدبيّة والفنّيّة في ضوء معاييرَ ثقافية تنأى وتبتعدُ عن المعايير الأدبية الجمالية، أو بمعنى آخر يحلّلُ النّصّ ويقرؤُه خلال ربط الأدب بسياقه الثقافيّ، متعاملًا مع النصوص على أنها أنساق ثقافيّة مضمرة لا على أساس أنها رموز ذات بعد جماليّ.
وبالعودة إلى مفهوم الثقافة، يكونُ مِن المعلوم أنهامفهومٌ عام وفضفاض، وهو من المصطلحات مُلغزة المفهوم، عسيرة الضّبط، لتشعب مجالاتها، وبشكل عامّ فإنّها تون عادةً مرادفةً لمصطلح الحضارة التي تنقسم إلى شقّيْن: شقٍّمادّيٍّ نصيٍّ، يسمّى التكنولوجيا، وشقٍّمعنوي أخلاقيّ إبداعي يُسمّى الثقافة التي قد أعادت بهذا المفهوم رسم الحدود الإيديولوجية والفكرية العقائدية لتشغل كل مناحي الحياة. ومن ثمّةَأمكننا الحديث عن نوعين من الدراسات التي تنتمي إلى النقد الحضاري، الدراسات الثقافية التي تهتم بكل ما يتعلق بالنشاط الإنساني، وهي الأقدم ظهورا، اهتمّت " بجملة من القضايا البارزة مثل: ثقافة العلوم، وتشمل التكنولوجيا والمجتمع والرواية التكنولوجية، والخيال العلمي، والثقافة الجماهيرية، والأنثروبولوجيا النقدية الرمزية المقارنة، والتّاريخانية الجديدة، وخطاب ما بعد الاستعمار، ونظرية التعددية الثقافية، والدراسات النسوية والجنوسية، وثقافة العولمة"[1]؛أمّا النقد الثقافي الّذي يحلّل النّصوص والخطابات الدينية، والفنية، والأدبية في ضوء معاييرَ ثقافيّة، وأسس أخلاقية واجتماعية وسياسيّة هو الأحدث ظهورا مقارنةًبالنوع الأول، وحسب رائده الأوّل فينسان ليتش، وأهم منظريه ميخائيل باختين،وفلاديمير بروب،وشارمان،ورومان جاكبسون.. وغيرهم فإنّ النقد الثقافي نقد أيديولوجي وفكري وعقائدي، يتسم بطابعه التكاملي التوسعي والشمولي، حيث يوسع من منظوره للنشاط الإنساني بحيث يصبح منفتحا على أشكال متعددة من النشاط، للدخول في نطاق البحث عبر مفهوم النقد الثقافي.
مِن ثمَّةَ يستحيلُ هذا النقد إضافة للفن ليجعله شاملا لكلّ مناحي الحياة، ممّا يكسبه قيما أخرى جديدة وذلك يتطلب حرية أوسع أو مساحة أكبر من الحرية توسع من آفاق مشروعه. هذا الوعي النقدي أسهم في فتح مجالات تجاوزت الخطاب النقدي، وبهذا توسّع مفهوم النقد الثقافي فأصبح يحتوي أنواعا وأجناسا لم تكن محل الدراسة من قبل النقد الأدبي" خاصة الوسائط الجماهيرية(..) والثقافية البصرية الجديدة"[2].
في هذا الاتّجاه يرى "إدوارد سعيد" أن الثقافات مكونة" من خطابات مختلفة، ومتغايرة العناصر"[3]، وعلى سبيل التدقيق يمكننا القول إنّ النّقد الثّقافيّ ينتمي إلى نظرية الأدب، في حين تنتمي الدراسات الثقافية إلى الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، والفلسفة من هنا يمكننا إحصاء أهم ثلاثة مصادر لنظرية للنقد الثقافي حسب ما يحدده "ريتشارد هوغارت"هي المصادر التاريخية، والفلسفية، والأدبية والنقدية. ويمكننا القول إن النقد الثقافي من خلال هذه المصادر ينطلق من مبدأ التعددية الثقافيّة، وبالتالي ينفي ويضرب بالمركزية الثقافية المهيمنة، ويحتفي بالهامشيّ، يمجّد الخطاب المعارض من موقع الاختلاف، وبهذا الطرح يسعى إلى تكسير مركزية النص التي تؤدي إلى نقد المؤسسة والسلطة...متجاوزا وموسعا حدوده، فاسحا المجال لما وراء الخطاب ليدخل أشكال الفنون جمعاء.
فهو يوسّع آفاق دراساته إذ يحلّ كل أشكال الفنون، بما فيها الرواية، ومن مبدأ أن الرواية أعتق وأقدم من السينما تجاوز بذلك المنجز السردي الروائي وصولا إلى الرواية السينمائية أو كما يسميها بعض النقاد الرواية المؤفلمة، وبالتالي استطاع الولوج إلى عالم السينما، الّتي تقوم على خلق المفاجآت، وتغيير الثوابت، ونقل الواقع في صورة مغايرة.
بعد كلّ هذافإنّ الغاية من هذه الورقة البحثية ليست تكمن في رصدِ التغيرات التي تطرأ على الرواية عندما تتحول إلى عمل سنيمائي، وليست في الوقوف عند الفروق ومظاهر الاختلاف، والتوافق اللّذانيلخّصان العلاقة بين الرواية والسينما،إنّ الغاية الأساسية هي محاولةٌ اكتشاف ما تم إيصاله من وراء كتابة الرواية، وإنتاج الفيلم من أيديولوجياتٍ، وأفكار ومعتقداتٍ، سياسيَّةً كانت أم اجتماعية؛ ملخّصة في الثقافة بمفهوم أنها شملت مناحي الحياة.. حيث يقتبس المخرج من النص السرديّ، ويستوحي فكرته ليخرج فيلمه، وبالتالي يتم الانتقال من النسق اللغوي إلى النسق البصريُّ الّذي أساسه الصورة، وبالتالي نلجأ إلى ما يسمى بثقافة الصورة أو ثقافة العين. وهو الّذي يمكننا مِن القول إنّ النقد الثقافي قد حلَّ محلّ النقد الأدبيّ، وتعدَّى حدوده التي اقتصرت على الأدب، متجاوزا ذلك ممّا يجعله يدخل عالم الفن، وغيره من العوالِم الكثيرة جدّا.
الصورة بين الفن والسلطة:
ليس يسعفنا التنظير الفلسفي ولا التفكير النقدي في أن نقومبإحصاء شاملٍللفروق بين أنماط الصور، لكن يمكننا القولُ إنّه غالبًا ما تقترن الصورة بالفنّ،متفوّقةً على الأنماط الأخرى من الصّور، فمعلومٌ أنَّ "كلَّ فنٍّ يقوم أساسا على صراع بين الذات والموضوع"[4]، وإن جاز التّأويل فلفظة الصّراع ما هي في الحقيقة إلّا حوارٌ وتذاوُتٌ.
إنّ الصورة في عالم الفن بوصفها "موضوعا مبتدعا من طرف الإنسان سيستدعي إدراكا جماليا"[5]، فالصورة الفنية لا تنقل شيئا ولا تروّج لغرض معين كنموذج فكري أو سياسي أو عقائدي إيديولوجي، بل تفرض ذاتها لحملها لقيمتها الفنية. بينما خارج عالم الفن" تلعب الصور بكافة أنماطها سواءكانت إشهارية ودعائية أو سينمائية أو تلفزيونية دورا في تماهي المشاهد معها، لأنه بحاجة إلى أن يتقمّصها ويتلبّسها، فيتقمص المشاهد لأنماط الصور يعزز خضوعه إلى نماذج إيديولوجية معينة" [6].
والإدراكُ الجماليّ في حال الصورة السينمائيّة يتأسّسُ على إدراكِ جماليّ، يهدف كغيره من ضروبِ الفنِّ البصريّ إلى" إقحام المشاهدين في خبرة مشتركة، فلا يرون إلا ما يراه الآخرون، ومن هنا تقوم قوتها على شحن المتخيل الجمعي"[7]، فلا يمكن للسرد السينمائي أن يروي ما ترويه الرواية حرفا وتفصيلا، وإنما تقوم الصورة مقام السارد،فالصورة السينمائية " تحقّق عالمًا يأسر الإنسان الذي يتلقّاها، ولا يستطيع الإفلات من سطوتها وحضورها الطّاغي عليه ... فإن السيادة تكون في ذهن المتلقي بشكل أكثر من بقية العناصر الأخرى، حيث إنّ الصورة هي الوجود الفعلي للفيلم كمتحقّق بصريّ"[8]، تسعى إلى تكوين إيديولوجية،إذ تمثّل العنصر الأساس لصناعة الحدث وصياغته، وفق رؤى المتحكمين في حدوثه، وهنا تتأسّس الصّورة في تمثّلها السينمائيّ من استعارة ثقافيّة، تتجاوز الاستعارة البلاغيّة الضّيّقة، وعلى ذلك نفهم أنّ اللّغة في السّينما ليس يحكمها البلاغة، ولكن تحكمها الثّقافة، وأيّ جملةٍ فيها هي جملةٌ تتجاوز البلاغةَ وتمثُّلاتها، إلى الثّقافة وسياقاتها وخلفيّاتها، ومن ثمّة نظفر بجملةٍ ثقافيّة في مقابلِ الجملة النّحويّة البلاغيّة.
وعلى ذلك تُعَدُّ الصورة أهمَّ وسيط في الصناعة الثقافية، إذ تبسط الثقافة سلطتها على كل ما له علاقة بمتعة المشاهد وذوقه، وهو ما يحدونا إلى القول" إن ممارسة السلطة تمر عبر ضبط وسائل السلطة، وعلى رأسها وسائل الاتصال التي تملك قدرة هائلة على الذيوع والانتشار، فبواسطتها تُصنع النجوم، وبفضلها يُصنع المشاهير في السينما والغناء والحياة العامة والسياسة"[9]؛إنّ الصورة تلعب سلطة محورية، تقتضي المعاصرة في الفنّ، مِن تجديد لأشكال التعبير، وإقحامللفنّفي آفاق ثقافية، وممارسات تنزع إلى زحزحة المألوف،أوتقديم المعتاد في حلة جديدة،خلال تقنيّات جديدة مِن قبيلِ ما يُسمّى رقمنة الفن، ومن ثمة يمكننا القول إنّ الفن استطاع الولوج إلى العالم الرقمي والذكاء الاصطناعي وعالم الروبوتات، وهو ما يجعله يتّخذ سمة العلمية، وهنا يتجلّىما للخيال العلمي، وهو أكثر الفضاءات نقلا وتعبيرا عن هذه الطفرة التكنولوجية،مِنقُدْرَةٍ على المزجِ بين الفن الممتع، والعلم، لنكسب بذلك منحًى جديدًافي رؤية العالم.
الخيال العلمي من منظور النقد الثقافي أو فيلم "المضيف" بين الأيديولوجيّة وجماليّات السينما:
النّاظر في رواية الخيال العلميّ يُلفي أنّها " تلتزم بالشرط السردي التقليدي كالحبكة والشخصية والقص، وتمزج العلمي بالخيالي، والفلسفي بالأدبي والبوليسي، مثلما تجمع بين البشري والآليّ، وهي نوع من أدبيات الأخلاق السوقية- كما يصفها كلنر- فيها مسعى لجعل التكنولوجيا والمعلوماتيّة تحت إرادة الإنسان ومن أجله، إضافة إلى مسعاها لكسر الاحتكارات الإمبريالية العلميّة منها والمعلوماتيّة والماليّة والسلطويّة، ولذا فهي خطاب حركي ونشط"[10]، تحمل رواية الخيال العلمي بنية فنية تمزج بين ما هو لغوي وما هو علمي، وتكمن الجمالية من خلال هذه الازدواجية التي تحوي وراء طياتها مقصديّة الكاتب ورؤاه التي لا يصرح بها مباشرةً، تاركا ذلك مهمّةً للقارئ، لبغية الكشف عن المسكوت عنه، وعمّا لم تقله الكتابة الروائية من خلال بنية نصية يتمظهر فيها جدل الأنساق الثقافية المضمرة، الّتي تتكشّف بفعل التأويل المعمق.
إنّ فيلم الخيال العلمي أو روايته لا يتضمن فكرة رمزية واحدة، بل يقوم على مجموعةٍ مِن القيم الّتي من بينها موضوعات نكران الذات في المجتمع، إذ المسعى الفردي أو الجماعي للرفض هو الذي يؤخذ بالاعتبار، واللجوء إلى العلم ليس وسيلة، وليس غاية أيضًا، وعلى ذلك فإنّ أهم ما يؤرّق كاتب أدب الخيال العلمي في جميع قصصه هو الإنسان وهمومه الحاضرة والمستقبليّة[11].
يسعى صانعو السينما إلى تجاوز غرضها الفني الترويجيّ، وصيغة العرض المشهديّ، إلى ما وراء ذلك وصولا إلى استيعاب المنظومة الأيديولوجية التي تستخدم من خلالها أو عبرها، فكما يقول "جورج لوكاتش":" في السينما فإن الطريقة التي تتابع بها الأحداث هي المسيطرة"[12]. فالسينما أو بالتحديد الفيلم من منظور النقد الثقافي يمثل أيقونة ثقافية سياسية كانت أم اجتماعية، بعيدا عن محتوى الفيلم ووراء مدلولات تم التغافل عنها والاكتفاء بمشاهدتها، وفي حقيقة الأمر هي عبارة عن مدلولات تجاوزت البعد الفني السينمائيّ، وأحسنت التخفي وراء المؤثرات البصرية لتنقل أنساقًا مضمرةً ذات بعد سياسي وأخلاقي عقائدي لا يمكن استظهارها إلا بالحفر المعمق في مشاهد الفيلم، ومحاولةًلاكتشاف القدر الممكن لخبايا الأنساق المضمرة المرتبطة بالأنظمة الثقافية والأيدلوجية والفكرية. وعلى حد تعبير دانييل فرامبتون في كتابه الفيلموسوفي" سينما الفن المعيارية تستدعي الانتباه إلى عملياتها الخاصة من خلال تأملها لذاتها، والأحرى أن نبحث عن طريق لكي نسمع(ونشجع) المتفرج بأن يرى ببساطة التفكير السينمائي أكثر من رؤية الفيلم وهو يفكر حول صناعة الأفلام."[13]، القراءة الثقافية لا ترميإلى تحليل الفيلم، وإنما تسعى إلى إلقاء الضوء على الشكل والمضمون معًا، خلال" التفكير السينمائي" وما يطفو على العمل الفني.
خاضت الكاتبة الأمريكية ستيفاني ماير تجربة في عالم الكبار، قدمت روايتها في الخيال العلمي الجسد المضيف بأسلوب ماتِعٍ، يتميز بالخيال العالي، ومرجعيّة الفيلم ذات أسس علمية تارة وأخلاقية تارة أخرى، لا تتسم الرواية بكثير من الهدوء، فسرعان ما تجد الأحداث المتفجرة تتوالى صانعة الغواية، حوّلت هذه الأخيرة روايتها إلى فيلم في الخيال العلميّ بعنوان مختصر هو"المضيف"، وبالتالي دخلت عالم سينما الخيال العلمي من بابها الواسع، وعد فيلم المضيف أحد أعظم إنتاجاتها، ومن ثمّة راهنت صاحبةُ العمليْنِ إلى تجاوز الاقتباس، والتّفاصيل الكثيرة الّتي تستوعبها الرّوايةُ،وصار الأساسالنّزوحَ لاحتواء أغراض فكرية وأنساق ثقافية مضمرة متخفية وراء الصورة وجماليات السينما عموما، وهو مضمون السّؤال الأساس، كيف نستطيع تطويع الرّواية أيّ رواية، لتتخلّى عن تفاصيلها، وتسلك طريقًا ثقافيّة أيديولوجيّة أكبر وأخطر تحتّمها السّينما؟
وهو الحال في سينما الخيال العلميّ، إذ يمكّن في منح فرصة خلق عالم برمته وفق أيّ تصور، وبالتالي يعدّ عالم الخيال العلمي المجال الخصب لطرح الرؤى، والنظريات، والقيم، والأفكار، وإيصال كل ما يمكن إيصاله، وهذا كله يجتمع في وعاء الثقافة، يؤكّده"جان غاتينيو" في كتابه "أدب الخيال العلميّ، مِنْ أنّ" الخيال العلمي، ككل أدب ينقل أيديولوجية ما"[14]، ويفصل في واقع النظام الإيديولوجي المتحكم والمسيطر فيما ينقله الخيال العلمي ويخلص إلى" أن الخيال العلمي يمثل الشكل الطبيعي لميثولوجيا عصرنا"[15]، لم يكتف الخيال العلمي بأنّه أدب روائيّ ذو طابع سردي فحسب، بل تجاوز ذلك حيث أصبح أكثر التوجهات إقبالا عليها لخلق عالم جديد، وتبقى الغاية الأساسية منه واحدة، وهي السيطرة على خصوصيات الشعوب وقناعاتهم ، وعلى جميع الظروف المحيطة بحياتهم من عادات وأفكار ومعتقدات وثقافات.. لإثبات أن هذه الأمور مجتمعة هي غير صحيحة وبالتالي وجب تصحيحها لجوءً إلى الخيال العلمي.
وهذا لا يتمّ إلا عن طريق سلوك أسلوب التخييل والهروب من الواقع لخلق ثقافة مغايرة للثقافة السائدة، وهذا وغيره لا يكون إلا باستغناء الشعوب أو ممارسة التهديد والوعيد والإكراه والترغيب وما شابه ذلك من أجل إحكام السيطرة عليهم، حتى يتم القبول في النهاية بالانصياع المفروض والإخلاص الدائم.. والطاعة العمياء لعقيدة أو ثقافة أو أيديولوجية ما في محاولة لتحطيم ولاء أو تبعية سابقة.
كل ما تمت الإشارة إليه سابقا، يأتي متخفيا مستترا وراء الجمالية. وهذا يشبه كثيرا مقاصد فيلم المضيف.الّذي يُعدُّ أول مغامرة في عالم الكبار لكاتبته ومنتجته ماير، ومخرجه الأمريكي "نيكول أندري"، يبدأها المضاف الطفيلي الفضائي الذي تمّ زرعه في جسم الإنسان، لاستهداف عقوله، والسّيطرة على أجسادهم، إذ يعدُّ هذا الجسمُ مُضِيفًا، لينزلق إلى عقل البشر، فيظهر ذلك خلال لون العيون، وشكلها، ولكن في بعض الأحيان تكون الروح البشرية (ميلاني) قوية جدا لدرجة أنها باقية وتبدأ في التواصل مع الكائن الجديد داخل جسدها، هذا هو الحال مع الراوي الفضائي الذي يتجول في ميلاني، والوعي البشري متسبّبٌ في معركة داخلية مستمرة -في جميع مقاطع الفيلم- يتغير أسلوب القتال لكنّ المفهوم واحد وباقٍ، وأصبحت المعركة غير المعارك المعتادة، إنّها معارك التفكير، ومعارك العقول وتصادمها، الصراع الفكري في جسد واحد، فكلّ جسد يخوض معركته حيث تم الانتقال من المسعى الجماعيّ الّذي يمثّل الفرد، إلى المسعى الفرديّ الّذي يمثّل الجماعة.
هذه الأحداث لا يمكن إلّا أن تُقرَأ قراءةً سيميائيّةً وثقافيّة في آنٍ، فالمضاف سواءً كانَ فضائيًّا أو غير ذلك، لا يمكن أن يتجاوز في الدّلائليّة أو الثّقافة غير ما يتعرّض له الإنسانُ من ضغوطٍ من الخارج، تؤثّر على دواخله، وهذه الضّغوط قد تكونُ معنويّةً أخلاقيّة، وقد تكون مادّيّةً تتعالى على البشريّ وتجاوزه، والمقصديّة بعد كلّ هذا لا تخرجُ عن شيئيْن، هما: أنّ الرّوح البشريّة قد تستجيبُ بشكلٍ كلّيّ لهذه الضّغوط، وهذا فعل تبريريّ يرمي إلى أنّ البشر لا يفعلون سيّئًا، ولكن ما يُفرضُ عليهم، ويُخضعهم، هو المسؤول الوحيد عن السّوء، كلُّ هذا تترجمه الجملُ الّتي يُصدّرُ بها الفيلم ( (The Inception،وهي تتلخّص في قولِ الرّاوي: "الأرض في سلام.. لا مجاهدات، لا يوجد أي عنف، البيئة صحية، عالمنا لم يكن مثاليا كما ذي قبل، لقد غزانا جنس آخر فضائي، لقد سيطروا تقريبا على معظم الأجساد البشرية في الكوكب، والغاية من البشر التي ظلت على قيد الأحياء في تعداد الهاربين الآن" [16].
والشّيءُ الثّاني: هو أنّ الرّوح البشريّةَ لا تستسلم لهذه الضّغوطِ، وتقيمُ صراعًا طويلًا، ينتهي بانتصار هذه الرّوح، والطّرحين في الأخير نهايتهما واحدةٌ، وهي تقديس الإنسان، والتّعالي به، تعاليًا ترونسندونتاليًّا.
هذا الّذي يجعل الفيلم يفوق التوقعات مقارنة بالرواية حيث صار محمِّسًا لقراءتها، فالمشاهد يشعر وكأنه يتخذ دور الممثل في القصة الخيالية التي تحمل الكثير من الواقع، حتى لو كانت خيالًا علميًّا، فمن الرائع جدا أن الفيلم يجعلك تنغمس في بيئة مختلفة، فذكريات بطلة الفيلم البشرية ميلاني في كل مرة تأخذك في مغامرة خارج حياتك العادية التي يقوم بها المضاف غير البشريّ، بشكل جيد للغاية، فالأوصاف الحية للكهوف الموجودة تحت الأرض، والصحراء القاسية، وحتى تلك المشاهد التي تعمل على وصف حياة الكائنات على الكواكب الأخرى، ومدى قدرة الذكاء الاصطناعي على صنع حياة بأكملها، غير الحياة التي نعيشها، إنه بالتأكيد ملاذ رائع،وهذا هو فعلُ الحبكةِ والصِّراع، والموسيقى التّصويريّة، الّتي تعكسُ الجدل الصّاعدَ والهابطَ، بالمفهوم الهيغليّ، فالقصة عميقة الطرح بقدر ما تتعامل مع الفيلم بشكل أساسٍ مع ما يعنيه أن تكون إنسانا. وإن كانقدرٌ كبيرٌ من الصّراع الداخلي داخل الفيلم ينفي وجود الإنسان، خلال موضوعات نكران الذات، تجاه أعداء المرء، وهوالبارز في شخصيّات العمل الفنيّ،خلالجميع أنحاء الفيلم.
وعودةً إلى الصوت السردي الذي جاء في بداية الفيلم، فإنّ ذلك يعيدنا إلى ما اهتم بهإدوارد سعيدمِن أنّ الخوض في أعماق فيلم الخيال العلمي يعيدنا إلى خطاب الكولونياليّة وما بعدها، إذ يخلص "إلى أن الثقافة الكولونيالية ثقافة تمييزية إقصائيّة، تعتمد صناعة النسق المضاد من أجل تعزيز هيمنتها"[17]، وبالتّالي فإن هذا المفهوم المشار إليه في بنية الخطاب الكولونياليّ، وما بعد الكولونياليّ يتماشى وفق مرجعيّاتٍ وسياقات تتمحور حول جدلية الصراع بين السلطة المهيمنة التي تمثل المركز، والآخر التابع المهمّش، إذ لا يمكن إدراك هذه الجدلية إلا بالفحص المدقِّق لمشاهد الفيلم، وهذا ما نجده يتوالى في الفيلم،فبعض الأحداث مفكّكةٌ لا رابط بينها في البداية إلا ما تُظهره الصورة السينمائية في لقطة الهروب ، فنحن أمام تمثيل لنسق ثقافي ضمنيّ وظّفه مخرج الفيلم توظيفا مقصودا، فصورة سلطة المركز تنحصر في الفضائيين/ صورة تمرّد المهمَّش ينحصر في البشر، وبشكل أدق يتمثل النسق على النحو التالي: صاحبة الجسد الحقيقي( المهمش)/ الطفيلي الفضائي(السلطة).
إن الغوص في فيلم المضيف يكشف لنا خبايا السّطو، وعموما فإنّ الأفلام "دوما تحمل" وجهة نظر" أو" قيمة ما"، ولا يمكن الادّعاء بأنها خالية من الطرح السياسي أو الاجتماعي، حتى وإن كانت تبدو هكذا، فالأفلام تحمل رؤى صانعيها حتى وإن حاولوا إخفاءها"[18]، وبالتالي يرفع الستار عن لغة التمثيل التي تبدو سطحية التركيب، ولكنها عميقة الدلالة، إذ نلتمس نسقا مضمرا يبدو سطحيا للوهلة الأولى في حين التوغل في تفاصيله وإخضاعه لتقنيات القراءة الثقافية يُبرزه ويجعلُه أكثر وضوحا، وذلك يتمثل جليا في مشهد زرع الروح في الجسد بواسطة ندبة خفيفة، سرعان ما يصبح الإنسان جرّاءهامحكومًا من الفضائي المسيطر ، خلالَ أَيْقُونَتَيْ العين ذات البريق الفضّيّ اللّامع، و ندبة الرقبة. هذا إن كان يدعو إلى شيء إنما يدعو إلى السيطرة والتحكم في الإنسان مستقبلا ويصبح لا ينفلت من المراقبة التي فرضتها علامات وحدت الخليقة، وتمثل ذلك في الفيلم من خلال فضائية تراقب بقية البشر الهاربة وتلاحقها وتسعى إلى فنائِها.
ما نشاهده في فيلم المضيف يمثّل تجسيدًا لثقافة العبودية المبرمجة، قد تختلف الأساليب لكن فكرة إيذاء الغير ثابتة، حين يتحول الإنسان البشري إلى إنسان آليٍّ، وذلكبعد أن تُصادَرَ العقول، وتتم إعادة برمجتها لصناعة القتل، وراء ما يُعرف بخلق مجتمع أعمًى، مبرمج ليفعل أيَّ أمرٍ يُعرضُ عليه دون النظر في حقيقته.
يطرح الفيلم" مسألة الهوية" وسؤال الهوية يستمد مشروعيته من ذلك الحدث الطبيِّ الذي انتهى بزرع روح في جسد غير جسدها، وأصبح بمثابة الآمر الناهي وهو صاحب السلطة في هذا الجسد الذي لم يكن ملكا له لو لا تلك عملية الزرع التي حصدت الكثير من أرواح البشر.
إن غياب الهوية بأبعادها النفسية والاجتماعية يظهر الإنسان في هذه البيئة بخواء روحي واضح ما عدا تلك الهوية المشتركة في العين ذات اللون الموحّد، والندبة أسفل الرقبة، "فالجسد أول هوية للإنسان فيه يتحقق الوجود البشري، وإذ تأتي النفس والعقل والإدراك والعاطفة من تفاعل الجسد وامتداده بالحياة، فإن أي انتقاص من قدر الجسد يكون انتقاصا من إنسانية الإنسان"[19]؛ لقد وجه فيلم الخيال العلمي أنظار متلقّيه إلى تنبؤات مستقبلية، حيث تأسَّسُ بموجبه رؤيةٌ تتخذ من توظيف العلم هدفًا، يستوفي مبرّرات وجوده في الفيلم من خلال طبيعة العالم التخيليّ، الذي صاغته سينما الخيال العلميّ، والذي هو ضمن مساحة حرة تتحرك فيها عناصر غياب الهوية وتمظهرات الثقافة في عالم الفضائيّين بكل تجلياتها، وبحرية كبيرة.
كلمة جسد تقول الكثير، وخاصة إذا اقترنت بالأنثى، فإذا قلنا الجسد الأنثوي فتلك إشارة إلى بؤرة الإحساس ومجمع اللّذّة. القراءة الأولية للبطاقة التقنية للفيلم وصورته الترويجية تشي بكثيرٍ من الرومانسية، ووراء هذه الرومانسية يتخفّى نسق مضمر خفي يلغي للأنثى أنوثتها، فيصير جسدها مجرد وسيلة لزرع طفيلي فضائيّ،وعلى ذلك نشهدُ تغير مفهوم الجسد في عالم الفضائيين، عكس ما نجده عند البشر،فالأنوثة بارزة أخذت منحًى مغايرًا للفيلم، هو الّذي شكّل الجانب الرومانسيّ الّذي يمثّل غواية الفيلم، وكأنها رسالة مباشرة في محاولة إقناع المشاهد أنّ "ما أضافه الخيال العلميّ هو الرغبة في الإقناع"[20]، فالسينما بمؤثراتها جعلت المشاهد يتقبل فكرة هذا العالم الجديد الذي هو من صنع الخيال، حين وصل الجسد الحقيقي ومستضافه إلى إمكانية العيش معًا، وتأدية وظائفه على أكمل وجه، مادام أنه يستطيع الحياة بشكل طبيعي والشعور بالحب وممارسة الجنس.
حضور المرأة في فيلم الخيال العلمي لستيفاني ماير هو حضور محصور على مستوى الصورة السينمائية، لكنّه غياب في الآن نفسه. فالمرأة في عالم الفضائيين تتخلّى عن أنوثتها، وتصير مثالًا للقوة، والعنف، وهي إلى ذلك تتقمّصُ دور السلطة، وتنفي حضورها في عالم البشر القريب من الزوال، فهي أشبهبالآلة، تسير وفق برنامج معين، فلقد تغير مفهوم المرأة، إذ طُمست صورتها الطبيعيّة بكل تفاصيلها الأنثوية، والمتتبع للفيلم يدرك لا محال أن هذا العالم قد زال وبقي القليل منه ممثّلًا في شخص الهاربة فقط. وهذا إن كان يدعو إلى شيء فإنما يدعو إلى فكرة أن المرأة ستغير من وظيفتها مستقبلًا، موهمة نفسها بالتخلص من المسؤوليات التي على عاتقها، وفي التماهي مع أحداث الفيلم، ما يجعلها قريبةً من إيصال هذهالفكرة.
إنّ غياب أنوثة المرأة هو غياب لهويتها، حين تحولت المرأة صاحبة العاطفة إلى مجرد عقل مدبّر، وآلة جسّدت الصراع،فهدفها الأسمى الغزو والسيطرة، هذا ما يسمى بالمساواة الحاضرة تحت مظلة الصراع بين الأنا والآخر، فالمرأة في "المضيف" تتّخذ صورة مغايرة تجاوزت الغريزة التي جُبِلَتْ عليها إلى السلطة، ومسايرة الركب، والتقدم التكنولوجي، مقارنة بالعدد المتبقي من البشر الذي يحافظ على علاقة المرأة بالرجل، و على دورها الفطري في الحياة بشكل عام، وهذا يضعها أمام مفارقة تحكم مسارها المرأة المتطورة في عالم الفضائيين، والمرأة المنحطة الّتي تمثل عالم البشر. هذا ما يقوله الفيلم ولا تقوله الرواية ويتجلى ذلك واضحا في مشهد إعجاب إيان أحد أبطال الفيلم بميلاني، بينما هذا يتناقض تماما مع ما هو موجود في عالم الفضائيين الذي يرى أنّالمرأة مجرد رقم يزيد في تعدادهم، وما يظهره الفيلم يستدعي الاستنتاج التالي: عالم الفضائيين، عالم يخلو من العاطفة ويغيّب الحب، أما العالم البشري فإنّه يمثّل الحب الّذي هو صمام الأمان، بل ويركز عليه بشكل مضاعف حيث استطاع الجسد الواحد الشعور بالحب وخلق عالم خاص للتعايش معه، رغم ذلك الخرق المتمثل في الجسد ومضافه.
نجد أن الكاتبة ستيفاني ماير قد تحررت من كتابة ذلك النص المنكمش الممل الشبيه بدرس الرياضيات أو الفيزياء، لا لشيءٍ، وإنما للثقافة العلمية الّتي تفرض نفسها عليها من حين إلى آخر،مع ما يستدعيه النص العلمي، غير أنّها تتجاوز كلّ ما نشهده من قصور عند كتاب الخيال العلميّ، عندما يفقدونالعمل فنيته وجاذبيته، استطاعت ماير المزج بين العلمي والفنّيّ من خلال الإلحاح الدائم على قضيتي الحب والجنس معا، فيتم الانتقال و التحول مِن الحدث الرئيس في فيلم المضيف الّذي هو الغزو الفضائي إلى قصة الحب والرومانسيّات، تفاديا للوقوع في فخ التقريرية والعلمية من جهة، ومن جهة أخرى إيصال فكر ينطوي تحت هاجس الحب، فالسرد السينمائي يخفي نسقا مضمرا متعاليا ومحكما، وعلى ذلك فلجوءُ كتاب الخيال العلمي إلى إضفاء مواضيع ذات طابع رومانسي تجعل من قصصهم مزيجًا من العلميّة والمتعة، وهو الّذي يحقّق جماليّةً ليست مطلوبةً لذاتِها، وإنْ كانت شرطَ الفنّ الأساسَ، وميتافيزيقاه على حدّ تعبير "هيدغر".
نخلص بعد هذا إلى أنّ السينما مِن خلال فيلم "المُضِيف" "The Host"تنقل إلينا مجموعةَ رسائلَ منها الخفي ومنها الظاهر، وهو ما يقتضي التنقيب في الفيلم عن الدلالات الخفيّة، التي غالبا ما تنفلت من وعي المشاهد في غياب تام لشعوره، فالعملُ الفنِّيُّ هنا رسالةٌ ثقافية، بُثّتْ في قمة من الجمال، عاكسةً قيمًا ثقافيّة محصورةً في مثل: التّسلّط والانبهار، والقمع واللّاهويّة، وغير ذلك، وهذا ما نشاهده في فيلم المضيف حين تم استبدال وظائف الجسد البشري وتعويضها بالتمثيل اللّاجنسي مكرّسًا القوة والعنف والقتل والغزو والملاحقة، فيحصل الاستسلام للمصير الراهن، كما لو كان يمثل قمة الحرية، وهذا يشبه كثيرا نهاية الفيلم التي جاءت تحكي تصالح الفضائي مع نظيره البشريّ، وحصول ما يشبه الصّداقة، وهي تحكي قيمة الاعتراف والقبول، على حدّ تعبير "أكسيل هونيث".
خاتمة:
بعد هذا الخوضِ الّذي خضناهُ، يمكن لنا القولُ إنّ النّسقَ الثّقافيَّ يمنحُ العَملَ الفَنِّيَّ المَبْنيَّ على التّواصُلِ، ما لا يمْنحُهُ أَيُّ نَسَقٍ آخَرَ، فَهُوَ يُمَكِّنُ مِنْ تَخَطّي المُمَوِّهَاتِ الجَمَاليَّةِ، إلى قضَايًا أكثرَ عُمْقًا وَمَرَامِيَ، فالعملُ الفَنِّيُّ في الأخيرِ ليْسَ مُجَرّدَ حِلْيَةٍ جَمَالِيَّةٍ لإِحْدَاثِ الكَثَرْسيس، إنّهُ أكْبَرُ شَأْنًا، وَأخْطَرُ غَايَةً، وهو ما نصلُ إليْهِ خلال فيلم "المضيف" للكاتبة الرّوائيّة والسينمائيّة "ستيفاني ماير"، ففي هذا الفيلم الّذي كان رواية لكاتبة واحدةٍ، نجد الثقافة الدّلالات والفلسفة، والمحور الإنسان، وفكرة الاعتراف، وهذه القضايا تمثّل استعارات ثقافيّةً لقضايا، هي القضايا المهمّة في الفكر الغربيّ الحديث والمعاصر، ففيلم "المضيف" من خلال هذا يحكي الوجود الإنسانيّ المعاصر بامتياز.
مصادر المداخلة ومراجعها:
1 ـ إدوارد سعيد، تأملات حول المنفى ج1، تر: ثائر ديب، دار الآداب، بيروت، ط1، 2004.
2 ـ جان غاتينيو، أدب الخيال العلمي، تر: المهندس ميشال خوري، دار طلاس للدراسة والترجمة والنشر، ط1، دمشق، 1990، ص158.
3 ـ حفناوي بعلي، مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن، الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف، ط1، بيروت، الجزائر، 2007.
4 ـ دانييل فرامبتون، الفيلموسوفي نحو فلسفة للسينما، تر: أحمد يوسف، المركز القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2009، ص173.
5 ـ رمضان بسطاويسي محمد غانم، علم الجمال عند لوكاتش، الهيئة المصرية العامة للكتاب، دط، القاهرة، 1991.
6 ـ زليخة أبو ريشة، أنثى اللغة، أوراق في الخطاب والجنس، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2009.
7 ـعبد العالي معزوز، فلسفة الصورة، الصورة بين الفن والتواصل، إفريقيا الشرق، المغرب، ط1، 2014.
عبد الله الغذامي، النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي، ط3، المملكة المغربية، 2005.
8 ـ علاء عبد العزيز السيد، اللغة والنص. مقاربة منهجية في إنتاج الدلالة السينمائية، دار المعارف، القاهرة، ط1، 2003.
9 ـ يوسف عليمات، النقد النسقي، تمثيلات النسق في الشعر الجاهلي، الأهلية للنشر والتوزيع، ط1، عمان، 2015.
-10Erwin Panofsky, Les œuvres d’art et ses significations, Essai sur les arts visuels, Ed Gallimard nrf 1969
11 . Niccol, A. (Réalisateur). (2013). The Host [Film].
[1]. حفناوي بعلي، مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن، الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف، ط1، بيروت، الجزائر، 2007، ص11.
[2]. انظر: المرجع السّابق، ص16.
[3]. إدوارد سعيد، تأملات حول المنفى ج1، تر: ثائر ديب، دار الآداب، بيروت، ط1، 2004، ص19.
[4]. علاء عبد العزيز السيد، اللغة والنص. مقاربة منهجية في إنتاج الدلالة السينمائية، دار المعارف، القاهرة، ط1، 2003، ص66.
[5]. Erwin Panofsky, Les œuvres d’art et ses significations, Essai sur les arts visuels, Ed Gallimard nrf 1969, P38.
[6]. عبد العالي معزوز، فلسفة الصورة، الصورة بين الفن والتواصل، إفريقيا الشرق، المغرب، ط1، 2014، ص160.
[7]. المرجع نفسه، ص154.
[8]. المرجع السّابق، ص89.
[9] . المرجع نفسه، ص155.
[10]. عبد الله الغذامي، النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي، ط3، المملكة المغربية، 2005، ص31.
[11]. انظر: عبد العالي معزوز، فلسفة الصورة، ص11.
[12]. رمضان بسطاويسي محمد غانم، علم الجمال عند لوكاتش، الهيئة المصرية العامة للكتاب، دط، القاهرة، 1991، ص131.
[13]. دانييل فرامبتون، الفيلموسوفي نحو فلسفة للسينما، تر: أحمد يوسف، المركز القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2009، ص173.
[14]. جان غاتينيو، أدب الخيال العلمي، تر: المهندس ميشال خوري، دار طلاس للدراسة والترجمة والنشر، ط1، دمشق، 1990، ص158.
[15]. المرجع نفسه، ص163.
[16] . Niccol, A. (Réalisateur). (2013). The Host [Film].
[17]. يوسف عليمات، النقد النسقي، تمثيلات النسق في الشعر الجاهلي، الأهلية للنشر والتوزيع، ط1، عمان، 2015، ص18.
[18]. علاء عبد العزيز السيد، اللغة والنص، ص59.
[19]. زليخة أبو ريشة، أنثى اللغة، أوراق في الخطاب والجنس، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2009، ص51 ـ 52.
[20]. جان غاتينيو، أدب الخيال العلمي، تر: المهندس ميشال خوري، ص102.
Avenir Light is a clean and stylish font favored by designers. It's easy on the eyes and a great go-to font for titles, paragraphs & more.
Avenir Light is a clean and stylish font favored by designers. It's easy on the eyes and a great go-to font for titles, paragraphs & more.